كيف نضع خطة للتعليم المرن؟

لماذا التخطيط صعب؟
كيف أجد نقطة البداية؟
تحديد الأهداف.
فخ القفز للصورة النهائية والكمال.
لماذا لا يستمر معنا الجدول أو الخطة؟
الصورة الشاملة.
كيف أصنع مخططة للتعليم المرن؟

لعل من أكثر شكاوى من يريد البدء أو بدأ حديثا في التعليم المرن أنه يجد صعوبة وضبابية في التخطيط, لا يعرف ماذا يفعل وكيف يفعله؟ لا يعرف كيف ينظم اليوم؟ يضيع الوقت بلا إحساس بالإنجاز والأطفال يزدادون فوضوية مع كل يوم, وضعنا جدولا ولكن لم نستمر فيه لمدة أسبوع واحد, أضعر بالضغط والعصبية لأني لم ألتزم بالخطة التي وضعتها…الخ
في هذا المقال نضع عدة قواعد أساسية لتحليل المشكلة من جذورها وإيجاد طرق عملية للتخطيط بشكل يمكن للأسرة تحويله لخطوات تنفيذية واضحة.

لماذا التخطيط صعب؟

ينبغي أن ندرك أن السبب الأساسي في صعوبة التخطيط هو اعتيادنا في حياتنا ألا نخطط, ففي سنين عمرنا الطويلة يتولى شخص آخر عادة اتخاذ القرارات لنا, حتى بعد انتهاء الدراسة نبحث عن وظيفة ونتدرج فيها دون سعى وتخطيط للتطوير المهنى والعلمي بل عادة نسير في المسارات التي نراها حولنا محددة ومجربة من الآخرين. ولهذا نجد تشابها كبيرا بين التطور المهني والعلمي لأبناء الجيل الواحد, فغالبهم يسير مع التيار ولا يخطط بنفسه إلا قليلا.
حين نريد البدء في التعليم المنزلي فنحن نغادر هذا المحضن المهيأ إلى فضاء واسع من الاحتمالات والاختيارات, وبالطبع مع قلة الخبرة يصير من السهل الشهور بالغرق والتخبط.
إن إدراك هذا الضعف المكتسب في قدرتنا التخطيطية والإدارية يجعل من السهل علينا تقبل فكرة أننا بحاجة للتدرب على التخطيط الجيد, وأن هذه المهارة مكتسبة ولكن تحتاج للمران والتدرج حتى نتمكن من الوصول للنتيجة المرجوة.

كيف أجد نقطة البداية؟

إن أول عقبة في طريق المعلم المرن حين يبدأ دون خبرة كافية هو سؤال: كيف أبدأ؟ الخطوة الأولى دوما هي أهم خطوة في الطريق, والكثير من التردد يكون بلا أساس حقيقي بل هو تضخيم داخلي للمشاكل المحتملة والتي لم تحدث بالفعل. وفي المقابل هناك من يحاول أن يشعر براحة الضمير لصحة قراره من خلال العمل على تكثير وإثراء تعليم أطفاله المنزلي بكل ما يخطر على باله ويحاول أن يقوم بكل البدايات وكل الأدوار في وقت واحد. كلا الفريقين يواجه صعوبة في البداية, إما لعدم القدرة على البدء أصلا أو البدء بخطة كبيرة ثم عدم معرفة كيفية تطبيقها دون أن ينتهي الوقت والجهد. تابعوا القراءة في هذا المقال للمزيد عن كيفية البدء الصحيح بطريقة متدرجة.

تحديد الأهداف

الآن وقد صرتم تشعرون بالثقة والانتظام, واستطعتم تخطي الحاجز الأول وهو كيفية وضع روتين منتظم والتطوير عليه وتقييمه, يمكنكم أن تبدأوا في وضع قائمة الأهداف الكبيرة أو الطويلة المدى والتي بناءا عليها ستختارون الأهداف الجزئية التي تطبقونها في “دورات الانتظام” كما شرحنا في الفقرة السابقة, فالأهداف تكون على نوعين: هدف طويل المدى يتم تقسيمه إلى أهداف تنفيذية قصيرة المدى يتم وضعها ضمن دورة الانتظام الحالية.

الأهداف تمثل ما تريدون تحقيقه مع أطفالكم, سواء تغطية منهج مدرسي معين, أو تدريبهم على مهارة أو لغة أو حفظ قرآن. هذه الأهداف يجب أن تركز دائما على ربط التعلم بالحياة وأن يكون لها مردود وتطبيق في حياة الطفل اليومية, فما يمارسه ويحياه الطفل هو ما ينتفع به ويستوعبه أكثر من أي شيء آخر.
وبالطبع هناك الكثير ليقال في هذا الجانب ولكن أكتب لكم في نقاط مختصرة ما يمكنكم لاحقا أن تبنوا عليه

– تحديد الأهداف مرتبط بالوعي: وعيكم كاولياء أمور, وقدرتكم على تحديد المهم من التافه هو ما يحدد اختيار الأهداف, لهذا تأكدوا أنكم دائما على وعي بما تريدون تحقيقه وأنكم أيضا تطورون من معلوماتكم وقدراتكم (يمكنكم الاستعانة بهذا الفيديو, وهذه الخطة التطويرية)

– لو وجدتم صعوبة في تحديد الأهداف يساعدكم كثيرا أن تبدأوا بأهداف المدرسة لو أطفالكم كبار أو الأهداف المهارية التطورية للسن الأصغر. يمكنكم الرجوع لهذا المقال للمزيد.

– إضافة للمواد المدرسية وأهدافها هناك أهداف عامة أو فروع معينة من العلوم تحتاج منكم أن تركزوا عليها كمهارات العصر الحديث. يجب اعتبار هذه العلوم والمهارات بنفس أهمية المواد الدراسية إن لم يكون أهم منها. يمكنكم الرجوع لهذا المقال للتعرف على هذه المهارات.

فخ القفز للصورة النهائية والكمال

على الجانب الآخر هناك من يقعون كثيرا في فخ الجدول “المكدس” حيث يبدأ المربي بآمال عريضة ويريد أن يرى طفله وقد صارمحصلا لكل ما يسمع عنه من علوم أو كل ما يحلم به من مهارات, فينظر بعين التقليل للكثير من الأنشطة التي يضعها ويبدأ في محاولة “ملء” الوقت والجدول. وحين يبدأ التنفيذ الفعلي يواجه الصعوبات, ويبدأ في اتهام الطفل بأنه “يضيع الوقت” ولا يريد أن “يسير على الجدول”. أو يبدأ في اتهام نفسه وأنه غير قادر أو ليس ماهرا بما فيه الكفاية أو غير متعلم جيدا. وهذا الإحباط يتحول مع الوقت لعصبية وشعور دائم بالإخفاق يلازم المربي.

هنا يجب أن نبين أنه حالة الاستكثار أو النهم لتكديس الجدول هي من الميول النفسية الطبيعية, فالنفس تحب الخير والاستزادة منه, حتى لو كانت منطقيا لن تنتفع به. ولهذا نرى كثيرا من الناس يشتري كتبا بينما لم ينته بعد من قراءة ماعنده, أو يقوم بحفظ روابط المواقع أو تحميل الملفات بينما هو لم يطالع -بل ويستحيل أن يطالع- ما حصله بالفعل وحفظه من قبل.

هذا التنبه للسلوك التكديسي مهم جدا, ويعيدنا مرة أخرى لقاعدة أساسية في التعليم المرن: الكيف قبل الكم والمهارات قبل المعلومات. فالتعليم العالي الجودة ليس الذي يعرف الطفل على كل مجالات العلوم أو يدربه على كل أنواع المهارات. التعليم الجيد هو ما يستخرج من الطفل أفضل المشاعر والأفكار ويعوده على أكثر العادات كفاءة في إدارة تعلمه وتفكيره. فيتعلم الطفل أن يحب العلم وأن يجيد القراءة وأن يحسن التفكير والاستنتاج, وأن يربط المعلومات ببعضها في شبكة متسقة.

لهذا بدلا من السعي في الاستكثار يجب النظر دائما: ماذا يجيد طفلي كل يوم؟ ماذا يكابد من صعوبة؟ هل يستمتع طفلي بممارسات التعلم؟ هل هناك تنويع كاف للمواضيع؟ والأهم هو: هل هناك وقت تعلم حر للطفل يتبع فيه ما يثير شغفه ويتعلم الأمور التي أثارت فضوله ويتفوق فيها؟
فكلما وجدتم صعوبة وتوترا وإحساسا بالضغط فربما عليكم تخفيف الجدول وإعادة ترتيب الأولويات والنظر في أهدافكم التعليمية مرة أخرى.

لماذا لا يستمر معنا الجدول؟

الآن وقد بدأنا الجدول واستمر التطبيق فترة ووجدنا نتيجة جيدة, ثم مع الوقت يبدأ ظهور فجوات وحالة من الكسل والعزوف عن التطبيق سواء منكم أو من أطفالكم. لماذا لا نستطيع أن نستمر في التطبيق؟ وكيف نعالج هذه المشكلة التي تتكرر كل فترة؟
غالبا ما يكون سبب التوقف هو مشكلة إما في التطبيق وطريقة التعامل في الأسرة أو مشكلة في كفاءة الأسرة وإدارتها للموارد المتاحة وعلى رأسها الوقت والجهد. والحل يكون في رفع كفاءة الأسرة من خلال الاستفادة من النصائح وخبرات الآخرين وايضا البحث عن المشاكل وحلها بطرق عملية متاحة. تابعوا القراءة في هذا المقال حول كيفية التعامل مع مشاكل الانقطاع والحلول التي تساعد على مداومة التطبيق.

الصورة الشاملة

والآن لقد استعرضنا عددا من الزوايا والمداخل المتنوعة للتخطيط للتعليم المرن, وربما بدأت كقاريء تشعر بالتشتت بين كل تلك المواضيع المختلفة, فلنحاول هنا في هذه الفقرة أن نجمع شتات كل ذلك في خطوات محددة:
1- ابدأ تدريجيا, حدد أنشطة قصيرة وواضحة ويسهل تنفيذها ثم مارس “الالتزام” بها كتدريب لك على التخطيط
2- لا تجعل جدولك مزدحما, ابدأ به مليئا بالفراغات والوقت الحر ثم قم بالإضافة تدريجيا مع الحرص على ألا تفرط في إعطاء طفلك الحرية والوقت الكافي للاسترخاء
3- ليكون من السهل عليك إضافة الأنشطة للجدول, حاول دائما أن تحدد أهدافك جيدا وتقسمها لأهداف فرعية قصيرة المدى وواضحة, قد يفيدك أن تستعين بالأهداف التعليمية للمنهج المدرسي إن أحسست بالحيرة.
4- قم بالصيانة الدورية لخططكم التعليمية, أضف ما تحتاج له واحذف ما ترى أنه استفرغ أهميته أو أنه لم يكن ذا عائد, وتقبل أن تحاول أو تحرب شيئا ولا يتقبله أطفالك أو لا يناسبهم.
5- إذا واجهتك مشكلة تأكد من أنك لم تخل بالتوازن في أي جانب (الدعاء وتجديد النية, نقص الجانب الترفيهي, قلة الراحة لك ولأطفالك, غفلة عن تفويض الغير, قصور تربوي, أنشطة أكثر من اللازم, قلة التجديد والملل, اعتمادية زائدة من أطفالك عليك) وابحث دائما عمن تستشيره واقرأ خبرات الآخرين.
6- استعن بتطوير نفسك دائما في الجانب التخطيطي والتنفيذي, حاول أن تحسن من كفائتك وكذلك أن تستخدم الأدوات المناسبة التي تعينك وتقلل الجهد عليك (خطط مكتوبة, أهداف مقسمة بوضوح, استخدام خاصية التقويم في جاسبك أو جوالك للتذكير بالمهام…)

كيف أصنع مخططة للتعليم المرن؟

يكثر بين المعلمين منزليا استخدام أداة تخطيط يطلقون عليها “مخططة التعليم المنزلي” (Homeschooling Planner/Organizer) وهي عبارة عن جدول كبير يغطي أيام السنة كلها وهو مقسم إما لشهور أو أسابيع, مع إمكانية إضافة ملاحظات وأفكار وبعض التوثيق لعملكم في رحلة التعليم المنزلي.
وبالطبع فإن هذه الأداة التنظيمية مفيدة كثيرا لترتيب شتات الأفكار وجمعها في مكان واحد, كما أن فعل الكتابة نفسه قد يكون معينا على تصفية الذهن وتوضيح المهام في العقل. يمكنك الاستفادة من المخططات المجانية التي تكون متاحة على شبكة الإنترنت أو تصميم منظمتك الخاصة إما على الورق أو باستخدام أي معالج للوثائق مثل الوورد. تابعوا القراءة في هذا المقال لتعرفوا أكثر على كيفية تصميم وتكوين المخططة المناسبة لكم في التعليم المنزلي.

وفي الختام, ننصحكم بأخذ وقتكم في هضم واستيعاب هذه الدليل عن التخطيط, والحرص دوما على زيادة كفاءتكم في التخطيط لأنه ييسر عليكم كثيرا ويوفر عليكم جهدا ووقتا وتوترا أنتم في غنى عنه, وقد قيل “عدم التخطيط هو تخطيط للفشل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *